- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠1أسماء الله الحسنى 1996م
الحمد لله رب العالمين، أيها الإخوة المؤمنون مع الدرس الثالث عشر من دروس أسماء الله الحسنى، ودرس اليوم اسم الفتاح.
الفتاح على وزن فعَّال، وصيغة فعال من صيغ مبالغة اسم الفاعل وحينما يصاغ اسم الله عز وجل الفتاح أو أي اسم آخر، حينما يصاغ صياغة مبالغة فالمعنى أن الله عز وجل يفتح كل الأبواب أو يفتح ما استعصى من الأبواب، إما مبالغة تكثير أو مبالغة نوع قد يستعصي باب.
قد يصاب الإنسان بمرض عضال، الأطباء جميعاً أعطوا قرارهم، لا شفاء لهذا المرض، لا أمل يرجى من هذا المريض، لا بد أن يموت بعد أيام لا تُجدي معه العملية ولا أن يسافر إلى بلاد الغرب ولا أن يفعل ولا أن يترك، باب الشفاء أُغلق وأُرْتِج وتواتر الإغلاق وتواترت آراء الأطباء.
أعرفُ صديقاً لي أنجب مولوداً بولادة عَسٍرة، سحب الجنين من رحم الأم بآلة تستخدم في الولادة العسرة، حينما وضع الجهاز على رأسه وسحب أصيب دماغه بخلل، فصار هذا الطفل الصغير كلما مضى وقت قليل انتفض، فسأل صديقي أول طبيب قال له، هذه إصابة بالدماغ، لابد من أن يكون هذا الطفل أعمى، أو أبله أو مشلولاً، قلنا هذا الطبيب حديث عهد بالعلم، فسألنا أعلى طبيب أطفال في دمشق فقال الكلام نفسه، ما أضاف ولا أنقص، سألنا طبيباً ثالثاً ورابعاً وخامساً أُدخِل مستشفى الأطفال، وهذا الكلام ما تغير، لأن الاختلاجات أساسها إصابة الدماغ وإصابة الدماغ لا تُبرأ، لأن الخلية العصبية لا تنمو "قاعدة".
لو أن الأعصاب تنمو لمات الإنسان ألماً، فمن رحمة الله بالإنسان أن أعصابه لا تنمو، فالأطباء جميعاً أجمعوا على أن هذا المولود لابد أن يكبَر ويبقى أبله أو مشلولاً أو أعمى، وصدقوني أن أباه كان يتمنى أن يموت طفله، لأن موت الطفل الصغير أهون بكثير من أن يكبر على هذه الحالة، ثم أُخِذَ إلى طبيب، وهذا الطبيب على شيء من الإيمان، قال لعل الله يشفيه، فأجرى تخطيطاً للدماغ، وأعطى الدواء وما هي إلا ستة أشهر حتى عاد الطفل كطفل سوي لا شيء يقلق في صحته، والآن عمره اثنتا عشرة سنة ويتحرك ويلعب ومتفوق في دراسته، لماذا اسمه الفتاح، لقد أغلقوا كل الأبواب، وربنا عز وجل فتح باب الشفاء.
المعنى البسيط إما أنه يفتح كل باب، يفتح لك باب الرزق يفتح لك باب العمل، يفتح لك باب الزواج، يفتح لك باب الراحة النفسية، يفتح لك باب التوفيق، يفتح لك باب الطمأنينة، يفتح لك باب العمل الصالح، يفتح لك باب الدعوة إلى الله.. أو أنَّ أحد الأبواب التي استعصت على كل طبيب يفتحه الله عز وجل.
إذاً فتاح صيغة مبالغة اسم الفاعل الفاتح، الفاتح والفتاح، يفتح ما أغلق من الأبواب أو ما استعصى من الأبواب، أو يفتح كل باب، قال الله تعالى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
يفتح رحمته، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، يعني إذا أمسك ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تفتح، وإذا فتح ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تغلق، قوى الأرض مجتمعةً ليس في إمكانها أن تفتح ما أغلقه الله ولا أن تغلق ما يفتحه الله، قال تعالى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
إذاً الأمر بيد الله وحده، وإذا أيقنت أن الأمر بيد الله وحده لا بد من أن تتجه إليه، هذه الآية تترك صدىً طيباً جداً في نفس المؤمن، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مرسل لها، علاقتك محصورة مع الله عز وجل، ما سوى الله أشباح، لا تستطيع أن تقدم أو أن تؤخر، بل ما قولكم، إن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق وهو النبي الرسول الذي يوحى إليه، وهو أكرم الخلق على الله قال الله تعالى قل لهم يا محمد: لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فلأن لا يملك لنفسه فلغيره من باب أولى، الله هو الفتاح.
يعني دائماً كلمة يرددها السلف الصالح كلما التقوا بإنسان متوثب متفتح مقبل، يقال لهذا الشاب " فتح الله عليك فتوح العارفين " فهي كلمة منوعة، الله يفتح لك باب رزق، الله يفتح لك باب علم الله يفتح لك باب كشف، الله يفتح لك باب قرب، الله يفتح لك باب رُقيّ، الله هو الفتاح، والكلمة الشهيرة " فتح الله عليك يا ولدي فتوح العارفين ".
الآية الأولى إذاً، قوله تعالى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
الفتاح له معنى آخر مستنبط من قوله تعالى:
﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)﴾
يعني كلٌّ يدعي أنه على حق، كلٌّ يكيل للطرف الآخر التُّهم، هو مؤمن والآخرون كفار، هو مستقيم والآخرون منحرفون، هو قريب والآخرون ضالون، هذا على مستوى دين واحد، فكل دين يتهم الأديان الأخرى بأنها أديان ليست من عند الله، أو أديان منحرفة، واللا دينيين يتهمون أصحاب الأديان بالتخريف والغيبية والضعف، الدينيون يتهمون غير الدينين بأنهم كذا وكذا، فمن هو الحَكَم، من هو الذي له الكلمة الفاصلة، من هو الذي يقول أنتم على حق وأنتم على ضلال، الله عز وجل هو الفتاح، هذا المعنى الثاني مستنبط من قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)﴾
ما علاقتك بهذا المعنى من هذا الاسم، يعني إن كنت على حق لا تخف لأن الله هو الفتاح، قد يقول الناس عنك الأقاويل، قد يتهمونك بتهم لا أساس لها من الصحة، إذا كنت على حق لا تخف، ولا تنس قوله تعالى:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾
إذا آمنت أن الله وهو الفتاح هو الحكم هو الذي يرفع ويخفض هو الذي يكشف الحقائق هو الذي يُجَلي الأمور، هو الذي يزيل الالتباس هو الله عز وجل، إذا آمنت بأنه هو الفتاح فلا تقلق، ولو أن الناس أساؤوا فهمَك، لو أن الناس أساؤوا الظن بك، لو أنهم اتهموك تهم باطلة لأسباب تافهة لا تخف، من عرف نفسه ما ضرَّته مقالة الناس فيه.
ما الذي يُقلق الإنسان اليوم، يقلقه أنه متمزق بين جهات عديدة تصور موظف له عشرة أصحاب عمل، شركة فيها عشرة شركاء في معمل كبير وهو موظف عندهم، لو أن هؤلاء الشركاء متفقون متفاهمون، فعلى الرغم من ذلك كل شريك سيعطي هذا الموظف أمراً مناقضاً للآخر، الأول تعال، الثاني اذهب، الأول كن غداً في المكتب الثاني سافِر، الأول تأخَّرْ بعد الغداء، الثاني تعال بعد الظهر واذهبْ باكراً، هذا إذا كانوا متفاهمين، فكيف إذا كانوا متخاصمين، فكيف إذا كانوا شركاء متشاكسين، فالحياة لا تطاق أن يكون لك فيها شركاء كثيرون.
الإنسان المشرك أو غير المؤمن أو ضعيف الإيمان حياته ممزقة بين أن يُرضي رئيسه وبين أن يُرضي مرؤو سه، بين أن يُرضي زوجته، إن أرضى من حوله في العمل تغضب امرأته، وإن أرضاها يغضب شركاؤه، وإن أرضى جيرانه يغضب الله عز وجل، وإن امتنع عن حضور هذه الحفلة أغضب أقرباءه، حياة كلها تمزق، لكن المؤمن يعلم أن الفتاح هو الله، هو الحكم، إذا يرضي جهة واحدة ويستريح، ولا تنسوا قوله تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
أحد أكبر عذاب النفس أن تشرك بالله، أن تدعوَ مع الله إله آخر ليس معنى أن تدعو مع الله إله آخر أن تقول هذا الفلان إله فقط، بل أن تعامله كما تعامل الإله، أن تعتمد عليه أن تتكل عليه، أن تُعلّق عليه الآمال، أن تطيعه وتعصي خالق الكون، هذا معناه أنك اتخذته إلهاً، هذا المعنى الثالث.
المعنى الأول:
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ﴾
الأبواب المغلقة كثيرة، يقال لك، الأبواب كلها مغلقة، الطرق كلها غير سالكة، كلما اتجهتُ إلى جهة أُغلق الباب في وجهي، هذا تعبير يستعمله عامة الناس، من هو الفتاح هو الذي يفتح لك الأبواب المغلقة أو الأبواب المستعصية، أو الأبواب الكثيرة، وحينما يَطْهُر الإنسان حينما تصبح سريرته سليمة، حينما يستحق الإكرام تأتيه الدنيا وهي راغمة، " أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه، الحديث القدسي معروف:
(( خلقت لك السماوت والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلّطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ))
إذا كنت في المستوى الذي يستحق الإكرام، إذا سرت في موجبات رحمة الله عز وجل تأتيك الدنيا وهي راغمة لذلك هذا الحديث الذي لا أنساه، قال عليه الصلاة والسلام:
((قَالَ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا لِشَيْءٍ سَأَلَ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ))
ما تعلق أحد بحب الدنيا إلا أُصيب منها بثلاث، شغل لا ينفكُّ عناه، وأمل لا يُدرَك منتهاه وفقر لا يُدرك غناه، لكن المؤمن قال الله:
﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)﴾
متاع المؤمن متاع حسن، معه راحة نفسية، ومعه أمل بجنة عرضها السماوات والأرض، ولكن متاع الكافر معه قلق، معه شعور بالمستقبل المجهول، شعور بأنه مُقدِم على مجهول، ولا سيما الموت حينما قال الله عز وجل دعاء إبراهيم:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126)﴾
أجابه ربنا ومن كفر، فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير، ما الفرق إذاً بين متاع المؤمن ومتاع الكافر ؟ متاع المؤمن معه راحة نفسية معه شعور أن الله عز وجل ادَّخر له شيئاً في الآخرة، أما الكافر وهو في قمة استمتاعه في الدنيا يشعر بقلق من مجهول أقله الموت، أقله أن تسلب منه هذه النعمة، لذلك الدعاء الذي أدعوه أنا، اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ومن شماتة الأعداء ومن السلب بعد العطاء، أصعب شيء أن يسلب منك شيء قد نلته من الله عز وجل، فالله عز وجل، من إكرامه للمؤمن يجعل خير عمره آخره يتعبه في أول حياته ولكن يريحه في آخره، أما أهل الدنيا يعزُهم في مقتبل حياتهم ثم يأتي العِقاب والذل والهوان والفقر، فالدعاء الشريف:
" اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخير أيامنا يوم نلقاك، نلقاك وأنت راض عنا ".
﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)﴾
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
الآن ما علاقتك بهذا الاسم، هذه الآية إذا فهمتها كما أراد الله عز وجل، فلو أنه قال ومفاتح الغيب عنده، هل حدث شيء، هو قال وعنده مفاتح الغيب، هل يستفاد معنى دقيق جداً من تقديم عنده، لو قال ومفاتح الغيب عنده فقد تكون عند غيره أيضاً، أما إذا قال:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾
فالتقديم فيه قصر، فالغيب لا يعلمه إلا الله، وعنده مفاتح الغيب العوام يقولون كلمة، " الذي عند الله ليس عند العبد "، مرَّ وقت قال الناس فيه لا يوجد أمطار جفاف دائم، العام الحالي بعض مجاري نهر بردى زرعت، في الغوطة لأن الناس استيأسوا من أن ترجع هذه المياه إلى مجاريها، جفاف مستمر، فجأة جاء بردى بشكل مخيف وبكميات مخيفة.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾
لا أقول لك كذب الناس، فلو قال الطبيب لم يعد هناك أمل في المريض، فلا تصدق، لأن:
إن الطبيب له علم يدل بـــه إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلتــه حار الطبيب وخانته العقاقيــر
***
على حسب عمر الإنسان، فإذا انتهى عمره وقال الطبيب لا يوجد أمل، فلا يوجد أمل، أما إذا كان يوجد بقية في حياته فلا.
أذكر طبيباً قال لمريض أربع ساعات ينتهي، اشترى أهله السواد وكتبوا النعوة، ثم شفاه الله عز وجل، هذا الإنسان عاش ثلاثين سنة والطبيب مات بعد اثني عشر عاماً
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾
ليس من باب التكذيب، ولكن يتكلم الإنسان بحسب علمه، أما ما سيكون لا يعلمه إلا الله عز وجل، فمثلاً: هناك بلاد بالشرق آمنة مطمئنة رخاء مال، بترول، غنى، من يصدق أنها تلتهب في الحرب، ليس في الحسبان.
لبنان في عام 1974 كانت جنة الله في الأرض، الأمن والرخاء والبذخ والترف، كل ما في العالم في هذا البلد، من يصدق الذين زاروها الآن قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾
هناك تفسيرات إلهية، نحن نفهم التفسيرات الأرضية، على أنه صراع، حرب أهلية، مشكلة عربية، دولية ولكن هناك فهماً دينياً آخر، قال الله تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
دائماً اعتمد التفسير القرآني للأحداث، هناك تفسير معين، هناك تفسير من زاوية معينة، تفسير عربي، تفسير دولي، هناك تفسيرات كثيرة جداً حتى هناك تفسير نسائي لأحداث لبنان، قلن " أصابها عين " أما يجب أن تعتمد التفسير الديني، قال الله تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
لبنان وغير لبنان، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) ﴾
هذه الآية إذا فهمتَها تكذِّب الدجالين، والكهان والسحرة والمنجمين والأفاكين، تسمع الآن في كل بلد متقدم جداً أن هناك فلكي أو عرّاف يأتيه كبار الشخصيات يسألونه عن مستقبلهم المالي مثلاً، أو الإداري أو السياسي، فلو قرؤوا هذه الآية لامتنعوا عنهم وعلموا كذبهم.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) ﴾
انتهى الأمر، لمجرد أن تسأل إنساناً عن الغيب فأنت لا تعرف الله لمجرد أن تطرح سؤالاً على كاهن تأكد أنك لا تعرف الله، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام
(( من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ))
كل هذا القرآن تكون كافراً به لآن الله عز وجل قال:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)﴾
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) ﴾
هذا موقف الإنسان المؤمن، هذه الآية خطيرة جداً، فلو قرأت مقالة تتحدث عن تنبؤات عام كذا، أو الأعوام الميلادية يخرج الصحفيون وبعض المفكرين يتنبؤون بما سيكون في المستقبل، مثل هذه المقالات لا تقرأ لأنه:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ ﴾
إلا إذا كان تنبوء لا من باب الجزم بل من باب التكهن، إنه احتمال أن العالم مقبل على أزمة معينة مقبل على كذا، ولكن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، هذه الآية إذا فهمتها استرحت.
قالوا " ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها " أنت لا تملك إلا وقتك الحاضر، في هذا الوقت بالذات بإمكانك أن تتوب. كان يحضر عندنا في الجامع أخت كريمة، في جامع النابلسي، منذ ستة عشر عاماً، ولها صهر بعيد عن الدين بُعداً شديداً، بل إنه ينكر وجود الله عز وجل، فكانت تدعو ابنتها أن تدعوَ زوجها لهذا الدرس فسمعت أنها دعته أكثر من عامين، أن يحضر ولو درساً واحداً، قال مرة دخلت ابنتها على الدرس ففرحت فرحاً شديداً، قالت لها زوجك معك قالت نعم، كادت لا تصدق، هذا الرجل حضر درسين وبعدها أصابته أزمة قلبية، ونقل إلى المستشفى على شكل إسعاف، وهو على الحمالة، قال لأولاده، كل شيء قلته لكم في الماضي باطل، الحق هو ما جاء في القرآن... لا أنسى هذه الكلمات، ربّى أولاده على شاكلته على أنه لا إله، حضر درسين ووافته المنية، وهو على فراش الموت قال لأولاده، وله ولد مهندس، قال كل شيء قلته لكم باطل، الحق ما جاء في القرآن، نرجو الله أن يقبله.
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) ﴾
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، لماذا قال بعض العلماء إن الحج على الفور، من أين انطلقوا، لأن الإنسان لا يعرف متى يموت، ما دام الحج فرضاً على المستطيع، فحينما تصبح مستطيعاً يجب أن تحج، لأن العمر ليس بيدك، قال صلى الله عليه وسلم:
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ))
من مرض من مشكلة، من موت مفاجئ. قال الله تعالى:
﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)﴾
كلمة فتح باللغة تعني أن هناك شيء مغلق، فهل تقول لإنسان افتح هذا الباب وهو مفتوح، كلمة ليس لها معنى، فأنت لا تقول افتح إلا لما هو مغلق، كل شيء أُغلق في وجهك يجب أن تذكر اسم الفتاح، حتى لو ضاعت مفاتيحك، لو ضاعت محفظتك، لو ضاع شيء ثمين، أغلق عليك مكانه.
حدثني أخ قال كنت ذاهباً إلى ميناء اللاذقية لتخليص بضاعة، ومعي مستندات كثيرة جداً، وهناك أشخاص كلفوني بإيصال مستندات إلى بعض الموظفين هناك، محفظة كلها مستندات، ذهبت إلى الكرنك لأركب، تفقدت هذه المحفظة الممتلئة بهذه المستندات لبضاعة وصلت إلى اللاذقية فلم أجدها، أقسم بالله أن الدم جف في عروقه، قال: اصفر وجهي، بضائع بالملايين له ولزملائه، قال وقفت على مدخل الكرنك وأدعو يا فتاح، قال وقفت ساعة كاملة لا يوجد عندي حل، وألغيت سفري، فما عدت أذكر السيارة التي أقلتني إلى الكرنك، ثم بدعاء شديد، وبدعاء فيه إلحاح، وقفت أمامي سيارة، قلت اذهب لا أريد الركوب، قال له السائق ألست الذي ركبت معي قبل قليل، قال له خذ هذه المحفظة، ببركة الدعاء، عادت المحفظة، هو لم يعد يتذكر أي سيارة ركب، والسائق بيد الله عز وجل، والسائق إذا أراد الله عز وجل يلهمه أن يعود، يلقي عطفاً في قلبه، يلقي خوفاً من الله، قال لي بعد ساعة، وقفت أمامي السيارة، وظننتها تعرض علي الركوب معها قلت لها إذهب، قال لي ألست الذي ركب معي قبل ساعة قلت له بلى أليست هذه محفظتك قلت بلى.
فإذا آمنت بالفتاح فكل شيء مغلق عليك تقول يا فتاح يا عليم، فليس قول بلا معنى كقول بعض العوام وهو متبرم من إنسان يقول له يا فتاح يا رزاق يا كريم، ليس هذا المعنى، في معنى آخر، مع الأسف الشديد هذه الكلمات الدينية الراقية الآن تستخدم استخداماً آخر، فإذا غضب أو ضجر يقول أشهد أن لا إله إلا الله منك، متى يتشهد حينما يغضب وإذا رأى إنساناً يغضب يقول له صل على النبي، قد يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجل أمامك يغلي غضباً فلا تقل له صل على النبي، إلا إذا كان مؤمناً، فإن كان مؤمناً يقول لك اللهم صل على النبي، يهدأ فعلاً، أما رجل بلا دين يغضب تقول له صلِ على النبي لا يفهم معناها. فيا فتاح يعني يا فاتح ما أغلق، ضيعت حاجة، هذه الوظيفة تحتاج واسطة ثقيلة وأنت ليس لك واسطة، يا فتاح، افتح مغلاق هذا الأمر، افتح قلب فلان، ألق في قلبه عطفاً علي، ألق في قلبه تفهماً لي، ألقِ في قلبه إنصافاً.
إذاً كلمة فتح معناه هناك شيء مغلق، وفاتح اسم فاعل، فتاح صيغة مبالغة لاسم الفاعل، صيغة مبالغة لِلْكَم والعدد، للكم والنوع، فقضية مستعصية جداً تدعو بيا فتاح يا عليم، أبواب كثيرة، يا فتاح يا عليم. ومنه قوله تعالى:
﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)﴾
معناها كانت مغلقة، يقولون منخفض متمركز في قبرص اتجاهه إلى القطر، توقع هطول أمطار غزيرة، تتلبد السماء بالغيوم ولا تنزل أمطار، مرة ثانية، بعد يومين، توقع هطول أمطار، توقع هطول أمطار، أول جمعة ثاني جمعة، وثالث جمعة ورابع جمعة مضى أيلول تشرين ثاني لم ينزل أمطار، توقع هطول أمطار لا يوجد أمطار، بعدها توقع هطول أمطار بإذن الله بعدها:
﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) ﴾
معناها أن السماء مغلقة ومفتاحها بيد الله عز وجل، والفتح في الحرب الظفر، قال الله تعالى:
﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) ﴾
البلاد المفتوحة، كانت مغلقة محصنة، جيوش، قوى، فتحت الأبواب كلها فتحت للمسلمين، أصبحت بلاداً إسلامية، هذه البلاد كانت للرومان فتحت للمسلمين.
﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) ﴾
إذاً من معاني الفتاح، هو الحاكم بين الخلق، لأنه كلما استغلق أمر خلافي بينهم يفتحه الله عز وجل.
عندنا شيء آخر، هناك فتح لكبار المؤمنين، أي أن المؤمن أحياناً يفتح الله عليه يلقي في قلبه نوراً، يلقي في قلبه معرفة، يسميها بعض العلماء الكشف، يكشف الله عن بصيرته، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يسميها علماء آخرون الإراءة، قال الله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)﴾
أحياناً تشعر أنك لم تكن ترى فأصبحت ترى، رؤيا قلبية، أحياناً يرى الإنسان أن الكذب يربِّحه هذا أعمى البصيرة، إلى أن يرى أن الصدق وحده هو الذي ينجيه، هذه رؤيا قلبية، يرى أن الاستقامة في الحياة هي سبب الكرامة، هذه رؤيا، بعض الناس يكذب ويغش ويخدع، ويظن نفسه ذكياً، لأنه أعمى القلب، فما هو الفتح بالمعنى الجديد ؟ الفتح أن يفتح الله على بصيرتك، أن يكشف الله على بصيرتك، أن يجعل بصيرتك صافيةً ترى بها الخير خيراً والشر شراً.
إذا بعض العلماء قالوا: " الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته، وفتح على العاصين أبواب مغفرته، فإن كان عاصياً فالله عز وجل يفتح له باب المغفرة، وإن كان مؤمناً يفتح له باب معرفته ".
أنت إذا سألت نفسك قبل خمس سنوات هل أنت في نفس المستوى أم شعرت أن لك رؤية جديدة لك بصيرة نافذة، لك إدراك أعمق، لك قيم أمتن، هذا هو الفتح، كلما كشف لك بعض الحقائق فتح عليك، إلى أن يفتح عليك الفتح المبين الذي لا معصية بعده.
المؤمن يتفاوت مع المؤمن باليقظة والغفلة، فهناك مؤمن أغلب وقته في غفلة، مؤمن بالله ولكن في غفلة، أما المؤمن الأرقى، أكثر وقته مع الله عز وجل، دائماً يدعوه، يستعيذ به يرجوه، يهتدي بهديه يستلهمه، والله عز وجل يتجلى على قلبه، يلقي في قلبه نوراً يلقي في قلبه معرفةً، هذا معنى الفتح.
فالفتح يستخدمه العلماء كثيراً، " فتح الله عليك، جاءه الفتح،
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾
أيضاً العوام، إذا فتح محل بالحمراء، وألبسة نسائية، والنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، وعنده موظفون غارقون في شهوة النساء، يكتب على محله التجاري:
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾
هذا هو الفتح ؟ أن تربح، أن تبيع النساء الكاسيات العاريات وأن تدير معهن أحاديث أكثرها يدعو إلى الزنى، هذا هو الفتح المبين ؟ هذا الذي يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً.
الله عز وجل فتح للنبي مكة المكرمة، فتح له دخل الناس في دين الله أفواجاً.
إذاً الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته وفتح على العاصين أبواب مغفرته، وقيل الفتاح الذي يعينك في الشدائد وينيلك وجوه الزوائد. يعينك في الشدة وفي الرخاء يرفعك، يعطيك عطاءاً زائداً، إذا هو فتاح.
بعضهم قال الفتاح هو الذي يفتح أبواب الخير على عباده، ويسهل عليهم ما كان صعباً، هذا الفتح يكون تارة في أمور الدين، يقول لك كتاب أقرؤه ولا أفهم عليه، صعب، بعد حين فتح الله على قلبه فيقرأ ويفهم، يقرأ ويتعمق، يقرأ ويستمتع، يقرأ ويحملق، يقرأ ويحفظ، يقرأ ويتكلم، الحكمة أجراها الله على لسانه، أول الأمر يقول لك كتاب لا أفهمه كأنني أنحت في صخر، ما هذا الكتاب، أقرأ القرآن لا أفهمه إطلاقا، أقرأ الحديث لا أفهمه، ثم جاء وقت آخر بدأ يفهم بدأ يتعمق بدأ يطرح سؤالاً، بدأ يأخذ الجواب، بدأ يحفظ، بدأ يتمتع، بدأ يدعو.
إذاً الله هو الفتاح، يفتح عليك أبواب العلم، يفتح عليك أبواب لسانك بالحكمة، فإذا أخلصت لله أنطق الله لسانك بالحكمة، أول أنواع الفتح يفتح عليك في أمور الدين وهو العلم، ويفتح عليك في أمور الدنيا، تكون فقيراً فيغنيك، تكون ضعيفاً فيقويك، تكون مظلوماً فينصرك على أعدائك، تكون مكروباً فيزيل هذه الكربة ويحل محلها الفرحة، لذلك فالإنسان إذا كان بعيداً عن الله عز وجل لا يمكن أن يسعد، قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
الانقباض، سل أهل الدنيا، سل أصحاب مئات الملايين، سل من يملكون ألوف الملايين، سل من أوتي قوةً لا حدود لها، من أوتي مالاً لا حدود له، سلوهم، أستحلفكم بالله، قد يقولون نحن أشقى الناس قال الله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾
ماذا يعني فتاح، يفتح لك باب الأنس به، يفتح لك باب الإقبال عليه يفتح لك باب الرضوان، يفتح على قلبك باب الرضى، ترضى تكون ساكناً في بيت غرفة ونصف تحت الأرض، تقول الحمد لله، تدخل على رجل بيته خمسمائة متر، ثمنه ثلاثون مليون ليرة، يقول لك السوق مسموم، السنة خسران كذا مليون، يعني خف ربحه كذا مليون عنده مال إلى ولد ولده، تراه معكراً، أما الفقير فتح الله عليه باب الرضى، فتح الله عليه باب السكينة باب الشكر، الصحة طيبة الحمد لله، أنا أسعد الناس، وهذا الذي ما عرف الله عز وجل دائماً في ضيق في ضنك في سخط على الله عز وجل.
إذاً يفتح لك باب الدين بفتح العلم على قلبك، أو يفتح لك باب الدنيا إن كنت فقيراً يفتح لك باب الغنى، إن كنت ضعيفاً يفتح عليك باب القوة إن كنت مريضاً يفتح عليك باب الصحة، إن كنت مكروباً يفتح عليك باب الفرحة. قال بعض الشعراء: يا فاتحاً لي كل باب مرتَجِ، "المرتج أي المغلق " الله عز وجل يفتح الأبواب المغلقة يفتح الأبواب المرتجة.
يا فاتحاً لي كلَ بابٍ مرتجٍ إني لعفوٍ منك عني مرتج
فامنن عليَ بما يفيد سعادتي
***
قيل الفتاح هو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه، يجب أن تعلم أن في القرآن آية واحدة لا ثاني لها، وهي قوله تعالى:
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾
قال بعض العلماء " لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بتوفيق الله تعالى " فحينما اخترعوا " التشالنجر " المتحدي، أرادوا أن يجربوا تجربة فريدة، أن يخرج إلى الفضاء الخارجي في تسعة أشهر أو سنة سبعة رجال وامرأة كي تنجب المرأة وهي في الفضاء، وأعدوا لكل شيء عدته، ولكل جهاز جهازان، وقد ضبط الجهاز بعدّ تنازلي دقيق جداً وأطلقت المركبة إلى الفضاء وسماها أهل الدنيا المتحدي " الشلنجر " هذه المركبة بعد سبعين ثانية، أصبحت كتلةً من اللهب، فالله ما فتح عليهم، أغلق عليهم باب التوفيق، فلذلك:
﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ ﴾
فإذا فتحتَ محلاً تجارياً، إن أسست معملاً، إن أسست مدرسة، إن أزمعت الزواج، قُل يا فتاح، ولا تقل أنا خبير سأستخدم كل خبرتي سأستشير، سأسأل محامياً.
أعرف رجلاً، متبرماً دائماً، مشمئزاً دائماً، جمع وطرح وضرب وجد أنه إذا باع معمله، وبيته، ومحله التجاري في الحريقة بكذا مليون القصة قديمة، ويضعها في بنك في أوربا بالمائة ثمانية عشر، يعيش ملكاً في أوروبا، ثم نفّذ الخطة، باع المحل وباع المعمل وباع البيت وباع السيارة، ثم أخذ تأشيرة خروج، وذهب إلى أرقى بلد في العالم بالسويد، في باله أن يضع الأموال بالبنك ويشتري بجزء منها بيت وسيارة فخمة، ثم يعيش على فوائد المبلغ في بحبوحة، كيف ؟ إن وضع المبلغ في البنك يحتاج إلى وثيقة معينة، والمبلغ كبير جداً فوضعه باسم آخر، إما قريب أو صديق هناك، وفي اليوم التالي سأله تأدية المبلغ قال له مَن أنت؟ لا أعرفك، كل ثروته ضاعت بساعات، لتأمين وثيقة معينة، وفي اليوم التالي أنكره، فأين الذكاء ؟!
هذه أبقَها في بالك، مع الله لا ينفع ذكاء " لا ينفع حذر من قدر " ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل.
﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ ﴾
لن يقع شيء إلا بأمر الله.
علاقتك بهذا الدرس أن تسعى أن جاهداً كي يفتح الله على قلبك باب العلم، والشيء الثاني أن تفتح أنت على العباد باب خيراتك، لا تكن قابضاً، فكن باسطاً.